Wednesday, March 15, 2017

بأي حق تقوم المخابرات الأمريكية بعمليات عسكرية سرية في الشرق الأوسط؟


منح ترامب وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA صلاحية تنفيذ عمليات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، حيث أصبح بإمكان الوكالة تنفيذ هجمات عسكرية باستخدام تكنولوجيا الطائرات بدون طيار ضد أهداف بعينها، في الدول التي تتواجد بها داعش فعلياً، أو يشتبه تواجدها فيها، مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وأيضاً سيناء. 

وبحصولها على هذه الصلاحية لن تكون الاستخبارات الأمريكية مضطرة للتنسيق مع البنتاجون (وزارة الدفاع) وبالتالي لن تضطر للتنسيق مع أي قوة عسكرية أخرى في المنطقة، مثل القوات الروسية أو الجيش السوري أو الجيش المصري أو حتى قوات التحالف التي تحارب في سوريا الآن، وتستطيع الوكالة تنفيذ عملياتها بشكل سري تماماً دون أن تكون مضطرة لإعلان عملياتها أو تبريرها أمام الرأي العام الأمريكي أو حتى أمام الكونجرس، مثلما هو الحال الآن مع البنتاجون الذي يلزمه الدستور بإعلان وتبرير كل تحركاته العسكرية.  

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى على أنه خطة ذكية لاستهداف قيادات داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة في المنطقة، حيث أن العمليات العسكرية التي ستنفذها المخابرات الأمريكية ستتم في سرية وبشكل مفاجيء، وربما تكون أفضل من حيث سرعة التنفيذ وفاعلية النتائج مقارنةً بعمليات الجيش الأمريكي. 

لكن هناك رأي أخر قد يخطر على بال المتأمل لتطورات المشهد السياسي العالمي والصراع المخابراتي المشتعل الآن بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وتصريحات بشار الأسد الأخيرة التي طالب فيها قوات الجيش الأمريكي بالابتعاد عن سوريا ووصفهم بالغزاة الفاشلين في كل حرب من جانب آخر. فما الذي يضمن لنا أن لا تستهدف المخابرات الأمريكية، بهذه العمليات العسكرية، خصومها مثل القوات الروسية داخل سوريا أو بشار الأسد نفسه؟ وما أدرانا أن لا تستهدف هذه العمليات العسكرية مناطق مثل سيناء مثلاً تحت إدعاء محاربة الإرهابيين؟ 

وكالة المخابرات الأمريكية، مثل كل أجهزة المخابرات في العالم، لا يجب أن يتجاوز دورها سوى جمع المعلومات وتحليلها ومساعدة العناصر الفاعلة في صناعة القرار للقيام بمهمتهم بناءاً على دقة هذه المعلومات، أما أن تقوم المخابرات نفسها بعمليات عسكرية وبشكل سري ودون أي محاسبة فهذا أمر مريب ويدعو للقلق. 

على سبيل المثال، في منتصف عام 2016 لعبت المخابرات الأمريكية دور مهم، في إطار عملها المشروع والمعلن، في الكشف عن مكان بن لادن وسهلت استهدافه وقتله، حيث قامت المخابرات الأمريكية بجمع معلومات عن مكان تواجد أسامة بن لادن ثم قدمتها لإدارة أوباما، التي قامت بدورها بتكليف قوات الجيش الأمريكي بضرب المكان الذي يوجد به بن لادن والقضاء عليه، ولم يتطلب الأمر وقتها أن تتم العملية بشكل سري أو أن تقوم المخابرات الأمريكية بالعملية العسكرية بنفسها.

فضلاً عن هذا وذاك، فإن المخابرات الأمريكية، وأي جهاز مخابرات في العالم، ليس مؤهل لاتخاذ قرارات بشن هجوم عسكري من أي نوع على أي هدف أياً كان، مقارنة بقوات الجيش التي غالباً ما يكون لها حسابات أخرى بناءاً على خبرتها في الاشتباك على الأرض، وليس فقط بناءاً على معلومات يتم جمعها وتحتمل الخطأ أو الصواب، مهما بلغت درجة دقتها أو حرفية الجهاز المخابراتي الذي يقوم بجمعها. 

بل السؤال الأهم من كل ذلك، من أعطى أمريكا أو مخابراتها حق القيام بعمليات عسكرية داخل دول الشرق الأوسط بشكل سري وبدون التنسيق مع القيادات السياسية والعسكرية لهذه الدول، حتى لو كان الهدف من هذه العمليات هو استهداف بؤر إرهابية، أين احترام سيادة الدول من هذه المعادلة، وكيف يمكن لنا أن نصنف مثل هذه الهجمات السرية على أنها ليست اعتداء على الدولة نفسها قبل أن تكون اعتداء على الإرهابيين المتواجدين بداخلها؟

أتمنى أن يخيب ظني، وأن لا يكون ترامب نسخة أحدث من بوش الإبن، الذي سبق ودمر العراق وأفغانستان تحت شعار الحرب على الأرهاب، وأن لا تذوق أي من دول الشرق الأوسط المأساة التي ما زالت العراق غارقة فيها منذ خمسة عشر عاماً.