Monday, December 12, 2016

هيومان رايتس ووتش والتنظيمات الإرهابية يد واحدة


تفجير الكنيسة البطرسية مصر

لم يفوت كينيث روث مدير "هيومان رايتس ووتش" فرصة أن يصطاد في الماء العكر كالعادة، وبمنتهى الجهل بأبسط قواعد حقوق الإنسان التي يتستر وراءها، نشر تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر بعد دقائق معدودة من تفجيرات الكنيسة البطرسية صباح يوم الأحد، تلاعب فيها بدم بارد بمصاب المصريين المفجع في تفجير المصلين الأبرياء العزل، وحول الأمر من مصيبة وطن إلى قضية طائفية، وأخذ يلوم أقباط مصر كطائفة – لا كمواطنين – على دعمهم لوصول الرئيس السيسي لحكم مصر ومناهضتهم لحكم الإخوان، وراح يدّعي بنبرة تشفي واضحة أنهم الآن يدفعون ثمن اختيارهم! 

كينيث روث الذي يقود واحدة من أقدم منظمات حقوق الإنسان في العالم لم تدفعه مشاعره الإنسانية – إن وُجدت أصلاً – لتقديم ولو كلمة تعزية لأسر الشهداء، ولم يدفعه ضميره – إن وُجد أيضاً – أن يقدم ولو كلمة إدانة واحدة ضد الإرهابيين الذين فجروا كنيسة بها نساء وأطفال آمنين دخلوا إليها ليصلوا.  

هيومان رايتس ووتش منظمة تسيء استغلال قيمة سامية مثل حقوق الإنسان لخدمة أجندات سياسية حقيرة تستهدف أمن واستقرار الدول لخدمة مصالح أطراف بعينها، تماماً مثلما يستخدم الإرهابيون الدين ستاراً لإجرامهم الذي يتم توظيفه من أصحاب نفس المصالح الخبيثة. مثلها في ذلك مثل قناة الجزيرة التي نقلت بالحرف كلام روث وشكلته كما يحلو لها لتلوم المصريين على وقفتهم التاريخية في وجه نظام جماعة الإخوان الإرهابية. 

وليست هذه المرة الأولى التي يستغل فيها هؤلاء مصائب المصريين ليلحقوا اللوم بالقيادة السياسية والرئيس السيسي شخصياً، الذي يعرف القاصي والداني ما يفعله هو وفريقه من مستحيلات لوضع مصر على قطار التنمية، والصعود بنا نحو الديمقراطية الحرة التي ثرنا مرة من أجل الحصول عليها، وثرنا مرة ثانية حين حاول الإخوان سرقتها منا. 

ما زلنا نذكر لهيومان رايتس ووتش وصديقاتها موقفهم من ذبح داعش لعشرات المصريين في ليبيا قبل عامين، والذي صمتت عنه طويلاً حتى لم تعد تقوى على مواجهة ما تلقته من انتقادات، فخرجت ببيان هزيل يصف الشهداء بأوصاف طائفية ويلصق تهمة قتلهم، لا لتنظيم داعش الذي ذبحهم واستحل دمهم على مرأى ومسمع العالم، بل بالظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها مصر، والتي كان لهذه المنظمات يد في وصولنا لها من البداية مستغلين تلهف المصريين للتنعم بمزيد من الحقوق والحريات. 

حاشا لله أن يُفهم كلامي على أنه استهانة بالمصيبة الكبيرة التي أدمت قلب الوطن، بل هو محاولة لتفتيح عيوننا على ما يتعرض له وطننا، فقد حاول أعداء الوطن الشهر الماضي إسقاط مصر عن طريق اللعب على وتر الصعوبات الاقتصادية، وغضب الناس من غلاء الأسعار وتحرير سعر الدولار، فخذلهم الشعب المصري العظيم ولم يستجب لدعواتهم المغرضة بإشاعة الفوضى. 

فانتقل أعداء الوطن على الفور إلى الخطة باء، باللعب على وتر القضية الطائفية، واستغلال تفجيرات الكنيسة البطرسية لإخراج الأمور عن سياقها وتوجيه ماسورة مدفع الغضب نحو القيادة السياسية التي تحارب الإرهاب، بدلاً من توجيهها نحو من أرتكبوه في الأصل، لكن هيهات أن يسقط المصريون في نفس الفخ مرة أخرى. 

إن معدن المصريين الأصيل لا يظهر إلا في أوقات الشدائد، وستشهد الأيام القادمة كيف سيحول المصريون هذه الانتكاسة إلى قوة دفع نحو المستقبل الذي نطمح إليه ونريده. رحم الله شهداء الوطن وأسكنهم فسيح جناته، وسيبقى المصريون على قلب رجل واحد وسنحقق ما نريد لوطننا مهما حاول المغرضون تشتيتنا أو إرباكنا. 


Sunday, November 27, 2016

الجيش والشعب يد واحدة

Military and people Egypt revolution


تربيت على يد رجل من خير أجناد الأرض، أبي رحمه الله كان ضابطاً بالقوات المسلحة، كنت استمتع كثيراً وأنا أساعده نهاية كل أسبوع في توضيب زيه الرسمي وتجهيزه للأسبوع الجديد، كنت أنتظر القصص التي يعود بها إلينا من مهامه التي كانت تجبره أن يغيب عنا لأسابيع طويلة للخدمة في صحراء ما أو محافظة نائية لم نسمع عنها من قبل، ورغم كل ما كان يلاقيه من تعب كان سعيداً وفخوراً بما يفعله، أذكر جيداً ذلك اليوم الذي عاد فيه أبي من السلوم بسلحفاة وجدها شاردة في الصحراء بجوار كتيبته فأشفق عليها، ومن سخرية القدر أن هذه السلحفاة قد عاشت في بيتنا أطول مما عاش هو. 

مات أبي وكبرت أنا، فاخترت دراسة العلاقات المدنية العسكرية لعلي أجد فيها ما يقربني منه، قبلوني في واحدة من أكبر الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمت رسالة الماجستير حول علاقة الجيش والشعب في مصر في أوقات الأزمات، وأدرس حالياً لدرجة الدكتوراة في بحث كيف نجت مصر وتونس من مقصلة الثورة بسبب وحدة الجيش والشعب، بينما انهارت سوريا وليبيا بسبب إنفصام الجيش عن الشعب.

وطوال الخمس سنوات الماضية، كان دائماً ما يواجهني المتخصصون وغير المتخصصين بنفس السؤال: "ما السر الذي جعل الجيش المصري ينحاز للمصريين في ثورة يناير؟ ولماذا لا يرى المصريون في استقلالية الجيش المادية والسلطوية وتدخله في شئون الحياة العامة إنتهاك للديمقراطية والحرية التي ثاروا من أجلها في ثورة يناير؟"  

بُنيَت مثل هذه الأستفسارات والافتراضات على نظرية شائعة جداً في الغرب تقول بأنه كلما زادت درجة الديمقراطية في أي دولة كلما انحصر دور الجيش في الحياة العامة، تلك النظرية التي كشف زيفها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما في خطابه الأخير، قبل بضعة أيام فقط، والذي قال فيه بمنتهى الوضوح أن قوة أمريكا من قوة جيشها الذي ينوب عنها في لعب أدوار دبلوماسية وسياسية مع الدول الأخرى. 

كانت ولا تزال إجابتي على هذه الأسئلة دائماً بعبارة واحدة بليغة أؤمن بها تماماً وهي "الجيش والشعب يد واحدة". لم يكن ذلك مجرد هتاف أعلن شهادة ميلاد جديدة لمصر يوم ظننا أن النهاية قد حانت، ليلة 28 يناير 2011، بل كان إعلان لعقيدة يؤمن بها المصريون جيشاً وشعباً. "الجيش والشعب يد واحدة" هي حقيقة واقعة يشهد بها التاريخ، وليست وليدة ثورة يناير أو ما بعدها فقط، الجيش والشعب خيطان في نفس النسيج الوطني الواحد، والسبب هو أن كل أسرة مصرية بها ضابط أو مجند، السبب هو التجنيد الإلزامي الذي تهكمت عليه الجزيرة في فيلم ساذج يشهد للعسكرية المصرية بتفردها وقوتها وليس العكس. 

كان بديهياً أن تخرج علينا الجزيرة بهذا الفيلم الساذج كحلقة من حلقات هجومها المستمر على جيش مصر خصوصاً بعد أن صرح الرئيس السيسي قبل عرض الفيلم بيومين فقط أنه لا يحترم ولا يدعم إلا الجيوش الوطنية، في إشارة إلى موقف مصر مما يجري في سوريا على عكس هوى حكام قطر، وكان بديهياً أن تهاجم قطر التجنيد الإجباري، لأنها أصلاً ليس لديها شباب لتجندهم، قطر تشتري الجنود من الدول الفقيرة في أسيا وأفريقيا. 

لكن ما لم يكن متوقعاً أبداً هو تلك الملحمة التي قادها الشعب المصري على السوشيال ميديا في حب وتقديس جيش مصر، ولم يفعل ذلك الكبار الذين عاصروا الحروب التي خاضتها مصر في منتصف القرن الماضي، بل من قاد هذه الحملة هم شباب لطالما حاول المغرضون أن يفرقوا بينهم وبين جيشهم تحت قناع الديمقراطية، والديمقراطية منهم براء. 

انحاز الشعب للجيش تماماً مثلما سبق وانحاز الجيش للشعب ليثبت للعالم صحة نظرية أن الجيش والشعب ليس فقط يد واحدة، بل على قلب رجل واحد. اللهم أدمها علينا نعمة.  

Sunday, November 20, 2016

خطة الإخوان للبقاء بعد وصول ترامب للحكم

Muslim Brotherhood under Trump

بات الحديث عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية أمر أقرب للتحقق، وهو الأمر الذي لم نتخيل أنا وزملائي في "الحملة الشعبية لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" أنه سيتحقق في غضون تلك الفترة القصيرة لولا فوز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة أمريكا.

فقد أنطلقت "الحملة الشعبية لإدارج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" في أغسطس 2013 عقب فض أوكار الإخوان في رابعة والنهضة، كمحاولة لصد الأكاذيب التي راح الإخوان يروجونها في العالم عن كونهم معارضة سياسية مسالمة وأن الجيش والشرطة قتلوا منهم أبرياء وبلا وجه حق.

وثقنا عبر الثلاث سنوات الماضية ما يزيد على ثلاثة ألاف جريمة أرتكبتها جماعة الإخوان بشكل مباشر، ما بين قتل أبرياء وحرق منازل وكنائس وأقسام شرطة ومنشآت عامة وخاصة وتخريب متعمد وترويع آمنين. 

ودعمنا كل حادث بوثائق رسمية وصور وفيديوهات تجعل من الصعب تكذيبها. ثم ترجمنا الوثائق التي تضم جرائم الإخوان في مصر وحملناها إلى صناع القرار في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وهي الدولة الأهم على الإطلاق. 

فقد كنا نعلم أن بريطانيا أقصى ما تستطيع فعله هو فتح تحقيقات في شرعية نشاط الإخوان على أراضيها، وأن ألمانيا أقصى ما استطاعت فعله هو وضعهم تحت مراقبة هيئة الشورى، أما أمريكا فلديها قوائم تصدرها بشكل دوري عن التنظيمات الإرهابية في العالم، وأننا لو نجحنا في إدراج الإخوان على تلك القوائم، سنحقق ضربة قاسمة للتنظيم الدولي للإخوان، لن يفيقوا منه ربما للأبد، لأن هذا التصنيف سيترتب عليه تجميد كل أنشطتهم المعلنة والمقنّعة، وبالتالي تجفيف منابع تمويلهم للتحركات التي تهدد الأمن القومي في مصر. 

وبمجرد أن وصلنا إلى صناع القرار في أمريكا وبدأنا في طرق الأبواب، وجدنا استجابة قوية داخل الكونجرس وبعض مراكز الأبحاث الكبرى ومنظمات المجتمع المدني، تبعها استجابة أقوى من مواطنين عاديين ونشطاء ومنظمات مدنية ترى في الإخوان نفس التهديد الذي نراه نحن على أمنهم القومي أيضاً، وانضموا لحملتنا وأمدونا ببيانات وتحقيقات من مكتب التحقيقات الفيدرالية ووثائق من المحاكم الأمريكية تثبت تورط جماعة الإخوان ورموزها في أمريكا في دعم والتخطيط لأنشطة تخريب داخل أمريكا وخارجها، فضلاً عن دعمها المالي والمعنوي لتنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط، وكانت هذه الوثائق خير داعم لنا في حملتنا لإقناع إدارة أوباما بضرورة وضع الإخوان على قوائم الإرهاب. 

ورغم مماطلة الإدارة الأمريكية، كانت الاستجابة من الكونجرس الذي كان أغلبه من الجمهوريين مبهرة، فقد أضطرت اللجنة القضائية بالكونجرس بعد تقديم 49 مشروع قانون لإدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية الدولية، إلى إصدار توصية للإدارة الأمريكية في شهر أبريل الماضي بضرورة اتخاذ اللازم بهذا الشأن في خلال ستين يوماً، وهذا معناه أن إدارة أوباما كانت مضطرة إما أن ترد برد قاطع ومقنع تشرح فيه أسباب عدم إقدامها على تنفيذ هذه الخطوة، أو تنصاع صاغرة لرغبة الكونجرس وتعلن الإخوان كتنظيم إرهابي. لكن كما كان متوقعاً ماطلت إدارة أوباما من جديد بحجة الاستعداد للانتخابات الرئاسية. 

وعلى عكس كل التوقعات، لم تأتي نتيجة الانتخابات بالسيدة هيلاري كلينتون التي ساندت الإخوان خلال سنوات الربيع العربي، ولكن أتت الانتخابات برجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب الذي يضع ضرورة إعلان الإخوان كتنظيم إرهابي على قمة أولوياته، ومن يومها يعيش التنظيم الدولي للإخوان الكابوس الأكبر في تاريخه، فقد أصبحوا مهددين بالفناء، وليس لهم ملاذ آخر يلجأون إليه، لا فوق الأرض ولا تحت الأرض، ولا حتى يوم العرض أمام الله الذي كذبوا وتاجروا باسمه لتحقيق طموحاتهم السياسية. 

لكن كعادتها، ما زالت جماعة الإخوان الإرهابية تعافر من أجل البقاء، لكن ليس بـ"التوجه إلى الله" حسبما دعى وليد حشمت في أول رد فعل على فوز ترامب، ولكن بالكذب والتحايل وتزييف الحقائق مجدداً، وقد بدأت الجماعة الإرهابية بالفعل في تنفيذ خطة النجاة، على ثلاثة محاور: 

المحور الأول، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام التنظيم الإرهابي للإخوان في أمريكا، والذي يتمثل في شبكة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والخيرية، بإعادة نشر أكذوبة الإسلاموفوبيا، والتي تعني أن الأمريكين يضطهدون المسلمين ويعتدون عليهم بناءاً على دينهم أو طريقة ملبسهم، وهو أمر أجزم أنه غير موجود داخل المجتمع الأمريكي، وأنا هنا أتحدث كإمرأة محجبة عاشت في تلك البلاد سنوات، ربما واجهت هذا التعصب في حدود ضيقة جداً في بعض الدول الأوروبية، لكن في أمريكا الأمر مختلف، فالتنوع الشديد داخل هذا المجتمع يجعله في أغلبه متسامح مع كل شيء، بغض النظر عن عنصرية البعض.

المحور الثاني، داخل الولايات المتحدة أيضاً، ويتمثل في قيام المنظمات المدنية التابعة لشبكة الإخوان بالسعي لعمل شراكات مع منظمات يهودية أمريكية كبرى، بحيث تغسل كل ماضيها القذر بإدعاء أنها منظمات سلمية تسعى لنشر التسامح، ويهمها وحدة وتماسك المجتمع الأمريكي، وظناً منهم أيضاً أن تقوم هذه المنظمات اليهودية التي أحدثوا شراكة معها بالدفاع عنهم في حالة وضعهم ترامب تحت مفرمته عما قريب، وأحدث أشكال هذا التعاون قد تمت قبل أيام بين منظمة إسنا الإخوانية الشهيرة، واللجنة اليهودية الأمريكية واحدة من أقدم المؤسسات في أمريكا وأشهرها.

المحور الثالث، في مصر، حيث أعلنت جماعة الإخوان وبشكل صريح وعلى لسان أكبر قياداتها برغبتها في المصالحة مع مصر، وبهذا تكون ضمنت لنفسها مكان يعودون إليه بعد أن ضاقت بهم الأرض، لكن هيهات أن يقبل الشعب المصري بالمصالحة مع إخوان الدم ومنحهم قبلة الحياة بعد أن طعنوا مصر بخناجرهم الباردة لأعوام، حتى أسقطوها ورقصوا فوق جثتها طيلة عام. 

وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، علينا أن نمارس الحذر الشديد من تحركات الإخوان الإعلامية أو السياسية في الفترة القادمة، وعلينا أيضاً أن نستعد لكل السيناريوهات المحتملة، العنيفة أو غير العنيفة،  إما داخل مصر أو في أمريكا، في أعقاب تنفيذ ترامب وعده بإعلانهم ضمن التصنيفات الإرهابية العالمية. 


Sunday, November 13, 2016

ثلاثة تحركات تستطيع بها مصر إنجاح ترامب رئيس أمريكا الجديد


كان أسبوعاً حافلاً ذلك الذي بدأ بقرارات إصلاح اقتصادي جريئة وضعت مصر على أول طريق التنمية الحقيقية بعد طول انتظار، وانتهى بموافقة البنك الدولي على إقراض مصر 12 مليار دولار، وما يمثله ذلك من دعم المجتمع الدولي، الذي طال انتظاره أيضاً، لرؤية وسياسات صانع القرار في مصر. 

لكن ما بين هذا وذاك، وقع العالم في حالة من الاضطراب لا أظن أنها ستزول قريباً، ويجب علينا أن نستعد لعواقبها، بما يجنبنا أثارها السلبية على مستقبلنا الاقتصادي والسياسي. لكن كيف؟ 

جاءت نتيجة الانتخابات الأمريكية بما لم يتوقعه أحد، فقد أصبح دونالد ترامب بين عشية وضحاها، أقوى رجل في العالم، والمتحكم في مصير شعوب الأرض لأربع سنوات قادمة على الأقل، ويبدو أننا لم نكن وحدنا المتفاجئين بهذه النتيجة، فحتى الأمريكيين أنفسهم المؤيد لترامب والمؤيد لهيلاري على حد سواء، أصابتهم نفس المفاجأة. 

وبينما أنصرف أنصار ترامب ليحتفلوا باعتبار أن الأمر قد حُسم ولا رجعة فيه، خرج أنصار كلينتون في مظاهرات بالآلاف في المدن الرئيسية، وقاموا بجمع ملايين التوقيعات على استمارة تطالب بسحب الثقة من أعضاء المجمع الانتخابي في 19 ديمسبر، ومن ثم إعادة التصويت وفقاً للدستور.  

وما زالت موجات التظاهر مستمرة منذ خمسة أيام، حتى يوم كتابة هذا المقال، وسقط واحد من المتظاهرين قتيلاً أول أمس في مواجهات مع الشرطة، وهو أمر ينذر بمزيد من الاشتعال والغضب والتصعيد، حتى أن بعض مراكز الأبحاث الكبيرة في واشنطن بدأت تتكهن بانطلاق ما أسموه "الثورة البنفسجية" في أمريكا على غرار ثورات الربيع العربي وشرق أوروبا. 

بُنيت المظاهرات ضد ترامب على كرة الغضب المتعاظمة التي خلفتها تصريحاته العنصرية في نفوس الأقليات والمهاجرين، مع العلم أن أمريكا هي في الأساس مجتمع مهاجرين، ونسبة ما فيه من أقليات عرقية ودينية كبير عدداً ونوعاً، حتى فئة "الرجل الأبيض" التي تسمي نفسها "الأمريكيين" وينتمي لها ترامب، هم في الأصل مهاجرون من بريطانيا وبعض الدول الأوروبية القديمة قبل ستمائة عام. 

أضف إلى ذلك غضب النسبة الكبيرة من الشباب الذين يؤيدون الأفكار التقدمية التي يرفضها ترامب وحزبه مثل حرية زواج المثليين والإجهاض، والذين يميلون أكثر للحزب الديمقراطي الذي يغازلهم بحلو الكلام عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية التي تحمل أمريكا لواء نشرها في ربوع العالم.   

في اتحاد كل هؤلاء معاً قوة، لا يجب أن يستهين بها ترامب وأنصاره، خصوصاً لو أن تحركاتهم تلك تمولها منظمات حقوقية كبرى وتباركها أجهزة مهمة داخل الإدارة الأمريكية، حتى أنهم أعادوا فتح قضية تزوير كانت مرفوعة ضده عام 2010، والمفترض أن يمثل ترامب أمام المحكمة نهاية هذا الشهر للدفاع عن نفسه فيها، وهي سابقة لم تحدث لأي رئيس منتخب قبله، ومؤشر خطير على أن هناك أصحاب نفوذ داخل الإدارة الأمريكية لا يرغبون في وجوده، وبالتالي سيحاولون بشتى الطرق عدم تمكينه.  

حتى لو مر الشهران القادمان بسلام، وتم تنصيب ترامب بشكل رسمي في يناير، فأتوقع أن يعاني ترامب كثيراً في الأربعة سنوات القادمة، بسبب عدم تعاون أجهزة الدولة معه، وربما لن يستطيع ممارسة كل صلاحياته بالشكل الذي يريد. أي أنها ستكون أربع سنوات من الجحيم بالنسبة له، وربما بالنسبة لنا في الشرق الأوسط أيضاً. 

لا شك أن قدوم ترامب، قد جعلنا في مصر والعالم العربي نتنفس الصعداء، فمجرد وصوله للبيت الأبيض هو إعلان وفاة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وتهديد قوي لكل التنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً في أرضنا منذ سنوات، وهو أيضاً افتتاح لصفحة جديدة للعلاقات مع مصر من المتوقع أن يكون فيها الرئيس الأمريكي الجديد خير معين للرئيس السيسي على تنفيذ عملية الإصلاح الشامل ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله، ولو صدق ترامب في تنفيذ ما وعد به في حملته بشأن الشرق الأوسط واستعادة العلاقات مع روسيا، فهذه بشرى بأننا قد نفيق أخيراً من كابوس تبعات الربيع العربي. 

أي أن استمرار ترامب وتمكينه من أداء عمله خلال الأربع سنوات القادمة هو أمر يصب في مصلحتنا تماماً، وبالتالي يجب علينا أن نجد طريقة مناسبة نستطيع بها ضبط موازين الأمور داخل أمريكا، وأن لا نكتفي بمشاهدة الأحداث من بعيد. واعتقد أن كلمة السر في إنقاذ ترامب تكمن في ثلاثة محاور: 

أولها؛ توحد دول الخليج العربي على إعلان الدعم الكامل لترامب، مستغلين ما لديهم من نفوذ اقتصادي داخل الولايات المتحدة، حيث أن دول التعاون الخليجي وحدها تستثمر من الأموال داخل أمريكا ما يستطيع أن يزلزل الاقتصاد الأمريكي تماماً في حالة سحبها أو يعيد أمريكا إلى مقدمة الدول المستقرة اقتصادياً في حالة استمرار ضخها، وهذا سيجعل الأجهزة الغير متعاونة مع ترامب داخل الإدارة الأمريكية تعيد التفكير فيه كخيار استراتيجي يحتاجون له، وأن مصلحة بلدهم تعتمد بشكل مباشر على استمراره وتمكينه من أداء مهام عمله، وليس كضيف ثقيل على قلوب موظفي البيت الأبيض. 

 وثانيها؛ أن تعمل القيادة العسكرية في مصر أن تبدأ في تحركات فورية تلعب فيها دور حجر الزاوية في تجديد العلاقات بين العسكرية الأمريكية والعسكرية الروسية، حيث أن مصر هي الدولة التي تمتلك علاقات عسكرية قوية مع الطرفين وتحظى بثقتهما، ويكون ذلك الربط في شكل اجتماعات عاجلة تقوم بها قيادات الجيش المصري مع القيادات العسكرية في روسيا أولاً ثم مع القيادات العسكرية في الولايات المتحدة، ويكون محور هذه اللقاءات هو كيف يمكن للأطراف الثلاثة التعاون في ظل انتخاب رئيس أمريكي جديد لمواجهة داعش وفلول الإرهاب في الشرق الأوسط بالكامل، وهو أمر يتفق عليه الأطراف الثلاثة بالفعل، وأعتقد أن هذا الجهد سيصب أيضاً في مصلحتنا المباشرة حيث أنه سيمكن ترامب، رغم ما سيلاقيه من معارضة في الداخل الأمريكي، من تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية من محاربة الإرهاب في العالم العربي وليس محاربة الدول العربية.

وثالثها؛ هو الدعم الإعلامي والمجتمعي لفكرة احترام نتيجة الانتخابات، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو السوشيال ميديا، خصوصاً أن أغلب النشطاء والمحللين في أمريكا اليوم يقارنون الآن بين تمرد المصريين ضد حكم الإخوان، وبين تمرد بعض الأمريكين على حكم ترامب، والمقارنة هنا غير صحيحة بالمرة، حيث أن الإخوان وصلوا للحكم في مصر المنهكة آنذاك تحت وطأة تهديدات بالفوضى استمرت لخمسة أيام في ميدان التحرير، وعبر انتخابات غلب عليها التلاعب والتزوير، أما ترامب فقد أتى عبر انتخابات نزيهة في دولة مستقرة وطاعنة في الديمقراطية، وبالتالي يجب أن ننبه الشعب الأمريكي لخطورة ما قد ينتج عن هذه المظاهرات من فوضى سياسية ودمار اقتصادي أكبر قد لا يستطيعون السيطرة على نتائجه لاحقاً، ونحن كمجتمع مدني مصري لدينا من الخبرة في هذا الأمر ما يمكننا بل ويحتم علينا نقلها للشعب الأمريكي، في النهاية نحن لا نريد لأمريكا أو شعبها أن يمر بما عانيناه من خراب في الخمس سنوات الأخيرة، لأن هذا لو حدث سيزيد العالم ألماً. 

خلاصة القول، إننا في مصر والعالم العربي نستطيع فعل الكثير لدعم ترامب وتمكينه من أداء مهام عمله التي تصب في مصلحتنا تماماً، ولعل الثلاث تحركات التي اقترحتهم في مقالي هنا تكون ملهمة لصناع القرار في المنطقة للقيام بما يلزم، من أجل ضمان مكان أفضل لنا على رقعة شطرنج المستقبل.  


Friday, November 11, 2016

مشيرة في اليونسكو وفي قلب شباب مصر



جاء لقاء الرئيس الثاني مع الشباب في غضون شهرين فقط، لمناقشة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، بينما يعج العالم بالفوضى إثر الضربات الإرهابية المتلاحقة، وآخرها في تركيا أردوغان، ممول داعش والأب الروحي لجماعة الإخوان الآثمة، والذي كان وما زال وسيظل يستهدف أمن واستقرار مصر، في رسالة ربانية سيذكرها تاريخ الإنسانية، مفادها أن الدول التي تنشغل ببناء نفسها هي التي يقف الله معها، أما الدول التي تنشغل بإيذاء جيرانها فلسوف تذوق مرارة ما صنعت أيديها إن عاجلاً أو آجلاً. 

على حد علمي أن تواصل الرئيس السيسي مع المواطنين الشباب بهذا الشكل المثمر والمستمر لم يحدث في أي دولة أخرى في العالم. مصر تضع نموذج جديد للعلاقة بين الدولة والشعب. اجتماعنا مع الرئيس ورموز الدولة بشكل دوري في حوارات مفتوحة وكاشفة هو تجديد مستمر للأمل في شرايين مصر، لنعود بعد كل لقاء أقوى وأقدر على مواجهة أصعب التحديات.

ومن بين كل رسالات الأمل التي ضخها مؤتمر الشباب الشهري يوم السبت في نفوس المصريين، كان تدشين حملة شبابية لوصول الناشطة الحقوقية مشيرة خطاب إلى تولي منصب رئيس اليونسكو، وهي به الأجدر من بين كل المرشحين، لتكون أول سيدة مصرية أفريقية عربية تحقق هذا الحلم العزيز على قلب مصر. 

وقد اخترت من بين كل المناصب الرفيعة التي تقلدتها هذه السيدة العظيمة في الدولة، بين وزيرة للأسرة والإسكان، وأمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة، وسفيرة متميزة، أن أسميها بالناشطة الحقوقية، لأن هذه الروح – روح الناشطة – هي التي صاحبتها على مدار مشوارها الحافل بالإنجازات، التي كنت أنا نفسي واحدة من المستفيدين منها، فقد فعلت هذه السيدة العظيمة لجيلي الكثير. 

كانت السفيرة مشيرة خطاب، تجوب القرى والنجوع، وتتحدث مع الأسر والأمهات عن تعليم بناتهن ونبذ عادة الختان، في الوقت الذي كان تحرك الوزراء فيه خارج مكاتبهم أمر لا نراه إلا في الأفلام الأجنبية، نجحت الناشطة الحقوقية مشيرة خطاب في عمل حملة قومية ضخمة، شاركت فيها أثناء دراستي الجامعية، نتج على إثرها تمرير أول قانون في تاريخ مصر يجرم الختان ويوعي الناس بخطورته على صحة الفتيات، لتنقذ بذلك أرواح الملايين من بنات مصر الذين وأدهم المجتمع أحياءاً بهذه الممارسة الآثمة، التي يبرأ منها الدين وأبسط قواعد الإنسانية، تحدت بروح الناشطة الحقوقية، لا بحسابات الوزيرة، مجتمع كامل يغلب عليه التعصب في صعيد مصر، لتفتح فصول لتعليم الفتيات، وضغطت بقوة منصبها آنذاك لتشريع قوانين تقضي على ظاهرة الزواج المبكر للفتيات. 

فقط راجعوا الإحصائيات الرسمية في هذه القضايا الثلاث (ختان الإناث، وتعليم الفتيات، والزواج المبكر) قبل وبعد مشيرة خطاب لتدركوا حجم الفرق الذي أحدثته. 

حتى بعد ثورة يناير، لم تتوقف الوزيرة مشيرة خطاب عن أداء مهمتها التي تؤمن بها في مناصرة حقوق المرأة المصرية، ولعل المحافل الدولية التي شاركت فيها متحدثة باسم نساء مصر ومدافعة عنهم، وكذلك التكريمات الدولية التي حصلت عليها كناشطة حقوقية تشهد لها بذلك، هذا فضلاً على وقوفها بمنتهى الشجاعة والإيثار ضمن صفوف شعب مصر في مواجهة تعنت جماعة الإخوان الإرهابية التي أرادت طمس هويتنا وإعادتنا لعصور الجهل والتخلف تحت ستار الدين.

ونحن اليوم بدعمنا كشباب مصري للسفيرة مشيرة خطاب لسنا سوى كمن يرد جزء بسيط من جميل صنعها في حق جيل بالكامل، وكلنا ثقة أن تنجح سيادتها كناشطة حقوقية أولاً ومسؤول دولي رفيع ثانياً في أن تنقل النجاح الذي حققته في مصر إلى ربوع العالم، وكلنا يقين أنها ستكون خير ممثل لمصر في هذه المهمة الثقيلة.  وما أحوج العالم المشتعل لسيدة في مثل نشاطها وحكمتها الآن. 


Sunday, November 06, 2016

كيف تستعد مصر للرئيس الأمريكي الجديد

Elsisi Clinton and Trump

أمست انتخابات الرئاسة الأمريكية على بعد يوم واحد، وهو اليوم الذي سيتحدد فيه مصير العالم على يد بضعة مئات من الناخبين الأمريكيين، وعليه سيضر العالم إما لاحتواء جنون رجل الأعمال المغرم بالمظاهر دونالد ترامب، أو مواجهة دهاء السياسية المحنكة هيلاري كلينتون، وكلا المصيرين مُر! لا سيما بالنسبة لدولة مثل مصر، تصارع من أجل الحفاظ على أمنها وتحقيق التطور الديمقراطي، في وسط اللهيب المستعر في أرجاء الشرق الأوسط. 

يجب أن تبدأ القيادة السياسية في مصر الاستعداد بوضع استراتيجية للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، ومحاولة التأثير عليه وتوجيه سياساته بما يخدم مصالحنا، وأن لا ننتظر لنشكل موقفنا كرد فعل على مواقف المرشح الفائز من قضايا مصر أو قضايا الشرق الأوسط كله، مثلما كنا نفعل في الماضي، فعلى الرغم من التحديات الجسام التي تمر بها مصر اقتصادياً وأمنياً، إلا أنها ما زالت هي الحليف الأصلح والأفضل من وجهة النظر الأمريكية، وأبلغ دليل على ذلك هو ما عبر عنه كلا المرشحين الديمقراطية كلينتون والجمهوري ترامب أثناء اجتماعيهما بالرئيس السيسي في نيويورك قبل شهرين. 

واعتقد أن من مصلحتنا نحن أيضاً أن نستعيد هذه العلاقات، ليس فقط بهدف استمرار التعاون الاقتصادي والعسكري وتوسيع نطاقه، ولكن أيضاً لما سيمكننا ذلك من استعادة دور مصر الريادي في منطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذي فقدناه لصالح دول أخرى مثل السعودية منذ ثورة يناير، وكان لهذا التحول بالغ الأثر في قلب موازين الأمور في المنطقة، بدءاً من الحرب الغير مبررة ضد اليمن، ودعم التنظيمات الإرهابية والمعارضة المسلحة في سوريا ضد النظام والجيش الرسمي للدولة. أي أنه من واجب مصر أن تسعى بكل ما لديها من قوة لاستعادة دور الأخت الكبرى بين الدول العربية، لما يمثله من ضمانة حقيقية للتعجيل بحل مشكلات المنطقة التي خلفها الربيع العربي وتوابعه. 

أما على مستوى الإصلاحات الداخلية، فإن استعادة مصر لعلاقات قوية مع القيادة الأمريكية الجديدة، سيعيد الولايات المتحدة للعب دورها المفيد جداً في دعم مصر مالياً واستراتيجياً في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تجري على قدم وساق داخل مصر الآن، وذلك من خلال استعادة الاتفاقيات والبرامج التي كانت تتم بين البلدين في تمويل وتنفيذ مشروعات مع الوزارات الخدمية مثل الصحة والتعليم وأمثالهما لتطوير أحوال المواطنين المعيشية، وهو الأمر الذي بإمكانه أن يرفع الكثير عن كاهل الحكومة المصرية التي تعمل وحدها تماماً، اللهم إلا باستثناء مساعدات مالية محدودة وغير مضمونة على المدى الطويل من بعض دول عربية أخرى. 

ويجب أن نتذكر دائماً أن العلاقات الدولية تعتمد فقط على حجم المصالح التي نسعى لتحقيقها وليس أي معيار آخر. وكلامي هنا يعني أن سعي مصر لإخراج العلاقات المصرية الأمريكية من جمودها، أمر لا يجب أن يمثل أي تهديد من أي نوع لعلاقاتنا الأخرى إما العربية (مع السعودية مثلاً) أو الأوروبية (مع روسيا تحديداً) خصوصاً في ظل ما يتردد من اقبال القطبين الكبيرين الروسي والأمريكي على حرب عالمية ثالثة قد تكون حرب باردة أو حرب معلومات أو حرب مسلحة. 

بل على العكس، استعادتنا لقوة ومتانة العلاقات المصرية الأمريكية، سيجعلنا قادرين على إدارة مصالحنا لدى الطرفين بالطريقة التي نرى أنها الأصلح لنا، بدلاً من أن نكون مجرد ترس في آلة قطب واحد منهما. 

كل المؤشرات تقول أن هيلاري كلينتون هي الأقرب لقيادة العالم من خلال البيت الأبيض في واشنطن، لهذا فإن الاستراتيجية التي يجب أن تعكف القيادة المصرية على وضعها الآن لمحاولة إدارة العلاقات المستقبلية مع كلينتون، يجب أن تعتمد على ثلاثة محاور أساسية كانت هي أيضاً محاور رؤية كلينتون لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، أولها هو الحرب على الإرهاب ومواجهة داعش في سوريا، وثانيها هو ملف إيران وارتباط ذلك بأمن دول الخليج وبالتبعية أمن المنطقة العربية بأكملها، وثالثها هو ملف إسرائيل وقضية السلام. ولمصر في كل واحدة من هذه القضايا يد.



Monday, October 17, 2016

كيف يرى الغلابة دعوات الإخوان لعمل ثورة باسم الغلابة؟



كانت مفارقة لطيفة حين أوقفني عم ماجد صاحب الجراج الذي أترك فيه سيارتي كل ليلة، ليسألني عن "ثورة الغلابة" ورأيي فيها. ابتسمت وسألته "وهل الغلابة محتاجين ثورة؟" فحكى لي عن الدعوات التي رآها على الفيسبوك للمشاركة في مظاهرات يوم 11 نوفمبر بسبب غلاء الأسعار وارتفاع سعر الدولار، لكنه وحسب تعبيره شعر أن فيها شيء غامض وأن هذه الدعوات إخوانية تستهدف أمن واستقرار مصر. 

أذهلني رد هذا الرجل الصعيدي البسيط الذي ربما لم يخطو خارج الشارع الموجود به الجراج طوال حياته، ليس فقط لأنه يستخدم الفيسبوك، لكن لأنه استطاع تقييم ما قرأه عليه، ولم يتقبله كما هو، فقررت أن ألعب معه دور محامي الشيطان وسألته "لماذا لا تقول أنها دعوات شعبية لأن الشعب يعاني من أزمة اقتصادية والحكومة عاجزة عن حلها؟ ألا ترى الرئيس السيسي مسئولاً عن هذه الأزمة أو سبب فيها وبالتالي يجب عمل ثورة ضده مثلما فعلنا ضد مبارك وضد الإخوان؟" 

قال لي الرجل المصري الأصيل، وقد بدى عليه الانزعاج الشديد من سؤالي، أنه "لولا السيسي لأنهار الاقتصاد المصري من سنوات"، ثم أضاف أن السيسي هو المكافأة التي أهداها الله لشعب مصر بعد أن نجحنا في ثورتين وأثبتنا حبنا لهذا البلد. لم أملك إلا أن وافقته على أن المقارنة بين ثورتي الشعب في يناير 2011 ويونيو 2013 لا يمكن بأي حال أن نقارنها بالعبث الذي يسعى له الإخوان الآن. 

ثم أضاف الرجل في لمحة ذكية أن الدعوات تحمل تاريخ 11 نوفمبر، وهو مكتوب بالأسود على خلفية صفراء، وعبارة عن أربع واحدات متجاورة (1111)، وهو إشارة غير مباشرة لعلامة رابعة الخاصة بالإخوان. ثم قال لي، أن لو الإخوان حاولوا النزول إلى الشارع يوم 1111 كما يدعون، سينزل الناس (الغلابة) ضدهم ويضربونهم، على غرار ما حدث منذ بضعة أشهر يوم مظاهرات وسط البلد أمام نقابة الصحفيين. 

الإخوان فقط هم الذين ينتعشون في الفوضى، فلولا الفوضى التي تلت ثورة يناير ما وصلوا للحكم. إن الشعب المصري، وأكثره من الغلابة، أذكى من أن يجلب إلى البلد فوضى جديدة، لقد جربنا الفوضى وعانينا منها، وما زلنا نعاني من أثارها حتى اليوم، ولا أعتقد أن في هذا الشعب شخص عاقل  يمكن أن يقبل بعودة الفوضى. 

الغلابة لا يحتاجون فوضى ومشاكل جديدة، الغلابة يحتاجون فرص وحلول، كتلك التي يقدمها الرئيس السيسي من مشروعات قومية وفرص إسكان اجتماعي وحلول لمشكلات العشوائيات والمشروعات الصغيرة وغيرها الكثير مما تم بالفعل أو ما زال جاري تنفيذه، الغلابة أذكى وأوعى من أن يغرر بهم الإخوان ويستغلون حاجتهم مرة أخرى. الغلابة هم عماد هذا المجتمع وأرضه الصلبة التي لن تنكسر. 

مهما كانت الأزمة الاقتصادية الحالية، سنعبرها بنجاح لأن لهذا الوطن رب يحميه، ورئيس يحبه، وجيش يفديه، وغلابة تعلموا من دروس الماضي. 

* الصورة من موقع جريدة الأهرام

Tuesday, September 27, 2016

إلى الرئيس الأمريكي الجديد: دعم استراتيجية التنمية في مصر هو الحل



التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالمرشحين الرئاسيين الأمريكيين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، على هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي. وقد أثار اللقاءان ردود أفعال واسعة في الصحف المصرية والأمريكية، حيث استغل أغلب المحللين الأمريكين هذه الفرصة لتقييم رؤية المرشحين الرئاسيين بشأن سياسة أمريكا الخارجية، باستثناء صحيفة "واشنطن بوست" التي استغلت مناسبة اللقاء كفرصة للهجوم على الرئيس المصري، كالعادة. لكن مقال الـ "واشنطن بوست" هذه المرة قد تجاوز حدود المعقول. 

وصفت افتتاحية واشنطن بوست، الرئيس السيسي بأنه "ديكتاتور" أتى لحكم مصر عبر "إنقلاب عسكري"، وأنه حالياً "يدس في جيبه" أموال طائلة تعطيها له الحكومة الأمريكية في صورة مساعدات. وكم أتمنى أن يكون المجلس التحريري الذي يكتب الافتتاحية والمكون من أمهر وأقدم كتاب الصحيفة قد ساق هذه الاتهامات الباطلة في حق الرئيس السيسي من باب الجهل بالحقائق وليس متعمداً. 

أولاً، وصف الرئيس السيسي بأنه ديكتاتور هو ظلم بيّن، وإهانة للشعب المصري الذي سبق وأسقط "ديكتاتورية" مبارك و"إسلامية" الإخوان، سعياً وراء التطور الديمقراطي الذي لم نشهد بوادره إلا عندما أتى الرئيس السيسي للحكم بأغلبية ساحقة تجاوزت 97 بالمئة من المصوتين، كما أن الرئيس السيسي لم يقضي في حكم مصر حتى اليوم سوى عامين بالكاد، أي نصف المدة الأولى، ويتمتع بدعم شعبي واسع، ويمارس سلطاته تحت سيادة القانون التي يكفلها الدستور، في دولة بها مؤسسات مستقلة وبرلمان يتمتع بصلاحيات أعلى من صلاحيات الرئيس نفسه. وهو الذي سبق وساند المصريين في ثورتين، عندما كان قائداً عسكرياً. فأي ديكتاتور هذا الذي تتحدث عنه الـ "واشنطن بوست"؟  

ثانياً، أموال المساعدات الأمريكية تمنح لكلٍ من مصر وإسرائيل وفقاً لاتفاقية كامب دافيد، والمبلغ الذي يذهب لإسرائيل من هذه المساعدات هو ضعف ما تحصل عليه مصر، وهي مساعدات تمنح للجيش وليس لرئيس البلد، من أجل تطوير القدرات العسكرية والمساعدة في التنمية الاقتصادية بشكل عام، ولا يستطيع الرئيس في مصر أو إسرائيل أن يضع هذه الأموال في جيبه حسب إدعاء الصحيفة أو حتى يوجه صرفها إلى أغراض خاصة أو عامة غير تلك المخصصة لها. 

ثالثاً، كم كنت أتمنى أن تستهلك الـ "واشنطن بوست" المساحة التي خصصتها للهجوم على الرئيس السيسي، في دراسة سبل تفعيل الرسالة الهامة جداً التي قدمتها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون للرئيس السيسي في لقائهما، بشأن تطوير حالة حقوق الإنسان وتشجيع المجتمع المدني على العمل. وطبعاً أن لم أقصد هنا أن تلجأ الـ "واشنطن بوست" للكلاشيهات التي يرددها الإعلام الغربي عن ضرورة "الضغط" على مصر من أجل ملف حقوق الإنسان. 

مصر ليست بحاجة إلى مزيد من الضغط، ولو أن أمريكا صادقة في نيتها لإحداث تطور ديمقراطي حقيقي في مصر، فعلى الرئيس الجديد للولايات المتحدة أن ينظر في وسائل لمساعدة مصر للتخلص من الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تثقل كاهلها منذ ثورة يناير، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتمتع المواطنين بحقوقهم. 

لقد كان الشعار الرئيسي في ثورة يناير، قبل خمسة أعوام، هو "عيش، حرية، عدالة إجتماعية" وهو شعار يلخص تماماً أولويات المصريين، وينعكس بشكل عملي في الاستراتيجية التي يتبناها الرئيس السيسي من أجل بناء ديمقراطية حرة في مصر. فقد وضع المصريون "العيش" كأولوية لأن الأمن من الجوع والخوف هو الضمانة الوحيدة للحرية. 

والواقع يقول أنه ليس بيد الرئيس السيسي أو غيره أن يمنح المصريين حقوق أو حريات، الحقوق والحريات تكتسب ولا تمنح. واجب القيادة السياسية فقط أن يهيء للمواطنين المناخ الذي يستطيعون فيه التمتع بالحقوق والحريات التي أكتسبوها عبر كفاحهم السياسي لسنوات. وهذا بالضبط ما يقوم به الرئيس السيسي من خلال تبني استراتيجية تدعيم وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقيام بمشروعات تنموية تضمن "العيش" و"العدالة الاجتماعية" كإطار تزدهر في ظله حقوق وحريات المواطنين.  

أما السؤال المهم الذي يطرح نفسه اليوم، بينما يتطلع العالم لاستقبال رئيس أمريكي جديد، هو: هل يمكن للرئيس الأمريكي الجديد أن "يتفهم ويساعد" مصر من أجل تحقيق التطور الديمقراطي المنشود وفق رؤية رئيس مصر وأولويات احتياجات شعبها، أم أنه سيفعل كسابقيه ويستسهل "الضغط" على مصر من أجل اتباع نموذج أمريكي جاهز؟ وحدها الأيام القادمة تحمل الإجابة.


To new US President: Supporting Egypt’s Development Strategy is The Answer



On the side of United Nations General Assembly, in September, President Abdel Fattah El Sisi of Egypt held separate meetings with US presidential candidates Hillary Clinton and Donald Trump. The meetings ignited a huge controversy in both American and Egyptian media. Most commentaries focused on comparing the foreign policies of the two presidential candidates, based on how they handled the Egyptian President. One commentary by the Editorial Board of the Washington Post stood out. 

Rather than discussing the foreign policy perspectives of US Presidential candidates, Washington Post Editorial Board seized the opportunity to attack the Egyptian President, as usual. This one article went too far, though. The editorial described President El Sisi as the “dictator” who came to power through a “military coup” and who is now “pocketing” 1.3 billion dollars from the US. 

First of all, it is totally unfair to name El Sisi a dictator. President El Sisi came to power through free and fair elections with 97% of votes. He has been in power for two years; that is hardly the half of his first term. He is still in power with the endorsement of the Egyptian people, who did not fear to topple the autocratic regime of Mubarak and the theocratic regime of the Muslim Brotherhood, within a time frame of only three years. El Sisi is using his presidential powers under the rule of law guaranteed by a valid constitution. His presidential powers do not conflict with the independent judicial system or the parliament, which already has extra-presidential powers. When he was a military leader, El Sisi sided with Egyptians in overthrowing two dictators. Thus, he cannot be dreaming about being a dictator himself. 

Second, According to Camp David Peace Accords, Egypt should receive annual 1.3 billion dollars in military aid and a double of that amount goes to Israel. The US funds are not given to the presidents of Egypt and Israel to put in their pockets, as the Editorial Board claims! It is given to the military institutions in both countries to improve their warfare and push forward economic welfare. Neither the President of Egypt, nor the President of Israel, could dare to “pocket” the US funds or even spend on anything other than their pre-identified purpose. 

Third, I wish the Washington Post had invested the precious space of the editorial in highlighting the most urgent message conveyed by Mrs. Clinton to President El Sisi; which is for the Egyptian government to enhance human rights and encourage the work of civil society organizations. Rather than spending 500 words on attacking El Sisi, the Editorial Board should have explored workable recommendations to turn Mrs. Clinton’s message into action. They should have looked beyond the cliché phrase in most western media of “pressuring Egypt on human rights” to suggest practical solutions on “helping” Egypt advance human rights agenda in conformity with Egypt’s strategy and priority needs.

Enough with pressures for God sake! Egypt has been weighed down by endless economic and political pressures since 2011 revolution. Rather than shouldering us with more pressures, the next US president should help us get rid of those pressures and thus set the right atmosphere for the hard-won human rights and civil freedoms to flourish.

The strategy adopted by President El Sisi to improve the status of political and civil rights in Egypt is to set a solid basis of economic and social rights, first. In a recovering country with high rates of poverty and illiteracy, the top priorities are to provide quality food and secure shelter. The main slogan in the 2011 revolution was “bread, freedom, social Justice.” Bread was put first, because this is what people needs first. Human rights and civil freedoms are not something to be given by a government. Those rights were earned by the Egyptian people and no one can take it away from them. Therefore the strategy of El Sisi is to create the socio-economic context where people can really enjoy their constitutional political and civil rights.    

President El Sisi’s approach of giving the priority to social and economic rights might not be the perfect solution from the point of view of most Americans. But, so far, it is working like charm in Egypt. The question, then, is: could the new president of the US consider “helping” Egypt follow through its own strategy towards liberal democratization, rather than “pressuring” Egypt to adopt a ready-made American model? Let’s hope for the positive answer. 

Saturday, September 24, 2016

لماذا تضع "المصري اليوم" المجتمع الحقوقي شوكة في عين القيادة السياسية في مصر؟



ماذا تفعل المصري اليوم بالضبط؟ لو أن إعلامنا يضر مصالح مصر بهذا الشكل، فهل نلوم على إعلام الإخوان؟

منذ أسبوع تقريباً، طلب مني الزملاء في جريدة "المصري اليوم" عمل حوار لملف تعده الصحيفة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتضمن الحواررأيي في حالة حقوق الإنسان بشكل عام، وقانون المجتمع المدني الجديد، وما يثار عن حالات الاختفاء القسري في مصر، وأداء وزارة الداخلية فيما يخص حقوق الإنسان، وغيرها.

وفوجئت صباح يوم السبت 24 سبتمبر أن الصحيفة نشرت الملف الموعود، وأخرجوا منه العنوان الرئيسي الأبرز على الصفحة الرئيسية للجريدة، وهو عنوان صادم جداً وإلى جواره صورة تنتمي لحقبة ما قبل ثورة يناير لأفراد شرطة يعتدون بالضرب على مواطن، والعنوان كان: 

"أزمة حقوق الإنسان.. تغيرت الأنظمة وبقيت الانتهاكات: تصاعد الاختفاء القسري والاعتداء على حرية التعبير.. والمجتمع المدني يواجه فرض الوصاية – ملف ص 8 و9"

ثم، فتحت الصفحات الداخلية لأكتشف أنه تم استبعاد حواري الذي يحمل قدر من التفاؤل تجاه تطور أوضاع حقوق الإنسان في مصر والتزام مصر بتعهداتها الدولية، ونشرت الجريدة فقط الحوارات والتصريحات التي تؤيد وجهة نظرها المتحيزة لأن الدولة والقيادة السياسية في مصر تتربص بالمجتمع الحقوقي وتعاديه وتتعمد انتهاك حقوق الإنسان.

الطريف هنا، أن الجريدة أيضاً صورت المتهمين في قضية التمويل الأجنبي على أنهم أبطال أو ربما "ضحايا" المرحلة، رغم أن عددهم لا يتجاوز واحد بالمائة من المجتمع الحقوقي في مصر، وأعطت تلميحات بأنه تم ملاحقتهم قضائياً بسبب عملهم الحقوقي، مستبعدة تماماً الحقيقة التي يعلمها الجميع بأن هؤلاء أرتكبوا مخالفة صريحة للقانون بالعمل في كيانات غير شرعية وتلقي أموال من مصادر أجنبية عبرها، وهذا تحديداً هو ما يحاسبهم القضاء عليه الآن، والقضاء في مصر كيان مستقل تماماً عن السلطة التنفيذية، وبمحاسبة هؤلاء فهو يعلي سيادة القانون التي هي أصل التطور الديمقراطي وحقوق الإنسان في أي بلد.

بل أكثر من ذلك، نشرت الصحيفة في هذا الملف إحصائيات عن مئات الحالات التي تدعي أنها موثقة لاختفاء قسري، رغم رد الداخلية الحاسم والنهائي عليه، وأيضاً نشرت الصحيفة آلاف الحالات من انتهاكات لحرية الرأي والتعبير وما شابه ذلك، استناداً إلى تقارير منظمات حقوقية دولية معروف عنها تلاعبها بملف حقوق الإنسان للإضرار بمصالح مصر. 

أظن أنه تم استبعاد حواري لأنه كان يحمل وجهة نظر تنفي تماماً كل هذه المزاعم وتثبت عكسها، وأزعجني جداً أن يخرج مثل هذا الفعل من صحيفة نتوسم فيها المهنية والوطنية، ولا أعرف لمصلحة من تساهم المصري اليوم في إزكاء نار العداء بين المجتمع الحقوقي والدولة؟ وإن كانت تفعل ذلك عن عمد. لمصلحة من تغامر المصري اليوم بوضع المجتمع المدني كشوكة في عين القيادة السياسية في مصر، بدلاً من أن يكون المجتمع المدني والإعلام أدوات لدعم التطور الديمقراطي في مصر وليس عائقاً له، ومدمراً لمجهودات الرئيس الخارجية من أجل مصر؟ ولماذا الآن؟!  

وهذا نص الحوار الذي صادرته المصري اليوم لأنه لا يتفق مع أجندتها، ولعل قدرتي على نشره هنا دليل قاطع أنه في عصر السماوات المفتوحة والأنترنت لم يعد بمقدور أحد المصادرة على رأي أحد أو التضييق على حريته في التعبير: 


1. كيف ترين وضع حقوق الإنسان في الوقت الحالي؟

المجتمع الحقوقي في مصر يعاني اختناق شديد، رغم أن حالة حقوق الإنسان تتطور. حقوق الإنسان تنقسم إلى سبع فئات حسب وثائق الأمم المتحدة، أهمها فئتين هما: الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. القيادة السياسية الحالية في مصر تتبنى وجهة النظر التي تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كأساس للبناء عليه فيما يخص الحقوق السياسية والمدنية، وفي هذا الإطار حققت الدولة نجاح ملحوظ حتى الآن فيما يخص المشروعات التنموية التي تستهدف التطور الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. 

لكن المؤسف في الأمر أن الحديث عن حقوق الإنسان المدنية والسياسية أصبح شيء مزعج لعموم الشعب بسبب بعض وسائل الإعلام التي صورت لهم أن المنظمات الحقوقية عملاء لقوى خارجية تستهدف هدم مصر، وهذا كلام غير دقيق وظالم لما فيه من تعميم. 

صحيح أن هناك في الوسط الحقوقي من تعمد استغلال منظمته للعب دور سياسي يتناقض تماماً مع دوره الحقوقي، وصحيح أنه في الوسط الحقوقي من أساء استغلال علاقته بالغرب للإضرار بمصر وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، والبعض وصل به الأمر لتكسير القوانين المنظمة لعمل المجتمع المدني والتعنت ضد وزارة التضامن حين طالبتهم بالخضوع للقانون والعمل في إطاره، لكن كم عدد هؤلاء؟ هم قلة قليلة جداً بالنسبة للمجتمع الحقوقي الضخم قدراً وعدداً، ولذلك تسببت هذه الصورة المغلوطة والتركيز فقط على النماذج الفاسدة والمحدودة جداً داخل المجتمع المدني، في خلق فجوة بين المجتمع المدني والمواطنين. 

لكن الوسط الحقوقي في مصر الآن ليس قادر على المبادرة لتضييق هذه الفجوة واستعادة ثقة الناس، لأن أغلب المنظمات في حالة هوان شديد بسبب ضعف التمويل الخارجي أو إنقطاعه كلياً، في ظل غياب أي مصادر للتمويل من الداخل، حتى أن عشرات المنظمات أغلقت أبوابها بلا رجعة في الخمسة أعوام الأخيرة، والبقية ما زالت تعافر بإمكانيات ضعيفة جداً. 


2. وهل محاربة الإرهاب وتأمين الحدود لها أثر؟

أنا ضد فكرة خلق توازن بين المتطلبات الأمنية وحقوق الإنسان، فهما ليسا ضدين بل عنصرين أساسيين لبناء أي دولة ديمقراطية، الحياة الكريمة والآمنة هي حق من حقوق الإنسان، وضمان حقوق الإنسان هو أكبر ضمانة للحفاظ على استقرار الدولة وأمنها. الحرب على الإرهاب حمل ثقيل على مصر والحرب التي يخوضها جيشنا وشرطتنا ببساله ضده ليست كافية للقضاء عليه، بل يجب أن يتوازى مع هذه الحرب مساعي للتنمية، وهذا بالفعل ما تقوم به القيادة السياسية الآن فيما يخص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أما في مسألة الحقوق المدنية والسياسية، فيجب أن يكون المجتمع المدني في منتهى الحذر، لأنه كان البوابة التي سبق ونفذ منها هؤلاء الإرهابيون إلى شرايين المجتمع المصري تحت مسمى حرية التعبير وحرية الممارسة السياسية، ومصر لم تعد تحتمل تكرار خطأ جسيم كهذا. واعتقد أن هذا هو أحد أسباب التخوف من المجتمع المدني أيضاً، كونه مجتمعاً مفتوحاً للجميع، بما سيسمح بعودة عناصر غير مرغوب فيها أو تتسبب في أضرار لن نحتملها في ظل الظروف الحالية.
  

3. ما حقيقة وجود اختفاء قسري في مصر؟

لا يوجد في مصر حالات اختفاء قسري، وهذه مسألة أصبحت مستحيلة لأكثر من سبب. الاختفاء القسري هو فعل تمارسه الدول التي لا تعترف بسيادة القانون، ومصر اليوم بعيدة كل البعد عن هذا النموذج، حيث أن لدينا سلطة قضائية مستقلة تماماً، هي التي تفصل في كل الأمور التي تخص الخارجين على القانون بما في ذلك الإرهابيين، دون أي تدخل من السلطة التنفيذية، ولو كانت القيادة السياسية الحالية ترغب في القيام بأعمال انتقامية ضد المعارضين على شاكلة الاختفاء القسري، لكانت فعلت ذلك من سنوات، وما كانت سمحت للقيادات الإرهابية بمحاكمات عادلة، ولم تلجأ حتى لفكرة المحاكمات الاستثنائية. 

أما السبب الآخر الذي يجعل من المستحيل أن يكون في مصر ما يسمى بالاختفاء القسري على يد الدولة ضد معارضيها، هو حقيقة أن حالة الطواريء انتهت من سنوات، وبالتالي لم يعد مسموح لجهاز الشرطة أن يقبض على مواطنين دون أمر قضائي واضح وصريح، ولم يعد ممكناً للسجون أن تستقبل أشخاص دون أن يتم تسجيل كل تفاصيل النزلاء في سجلاتها بوقت الدخول وسبب ومدة السجن ومكان المسجون إلى آخره. فضلاً عن كل ذلك، فقد أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة رأيها فيما أدعت بعض المنظمات الدولية أنهم مواطنين تعرضوا لاختفاء قسري وأكتشفنا أن أغلبهم اختفى من البلاد بكامل إرادته لينضم لتنظيمات إرهابية في بلدان مجاورة.


4. هل أوفت مصر بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في المراجعة الدورية الشاملة؟

من المفترض أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في نوفمبر هذا العام، بعمل تقييم نصف المدة لتقدم مصر في تحقيق المراجعة الدورية الشاملة، ونحن في المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة، نقوم حالياً بالتعاون مع مكتب المراجعة الدورية الشاملة في الأمم المتحدة على عمل تقرير تقييمي مستقل، كمنظمة محلية غير حكومية لما أنجزته مصر حتى الآن في التعهدات التي التزمت بها ضمن السبع فئات المتعلقة بحقوق الإنسان، وأستطيع أن اعطيك مؤشرات مبدأية أهمها أن مصر نجحت بشكل ملحوظ في تحقيق التزاماتها في فئات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة والطفل، وحقوق المعاقين، وحقوق الأقليات العرقية والدينية، وسيادة القانون، ومحاربة الفساد، أما بقية الفئات ما زال هناك بعض العثرات التي تتسبب في تأخرها. لكن بشكل عام هناك التزام أكبر من القيادة السياسية الحالية في التزام الدولة بتنفيذ تعهدات المراجعة الدورية الشاملة، إذا ما قارناه بما كان الوضع عليه في الحقبة الماضية.  
   

5. وما اوجه الاختلاف بين عصر السيسي وعصري مبارك ومرسى فيما يخص حقوق الإنسان؟

هناك فرق ضخم بين الدولة في عصري مبارك والسيسي، أما تلك السنة الهزيلة التي حكم فيها الإخوان فلم تتجاوز كونها خطأ مطبعي في تاريخ مصر. مصر في سنة حكم مرسي لم تكن دولة، بل كانت جسد مريض سيطر عليه سرطان إسمه الإخوان مستغلاً تلهف الشعب للممارسة الديمقراطية، ورغم أنهم وصلوا للحكم من خلال ثورة الشعب في يناير من أجل حقوقه وحريته، إلا أنهم لم يحترموا إرادته، وما زلت حتى اليوم أتذكر مثلاً قيادات نسائية إخوانية خرجت علينا تدافع عن زواج القاصرات وختان الإناث، وأتذكر أيضاً مهزلة الدم في مقابل الشرعية التي عاقبونا بها بعد أن لفظهم الشعب، لقد كانت فترة ظلام، والحمد لله تجاوزناها. 

أما بالنسبة لدولة مبارك، فقد كان لها إيجابياتها وسلبياتها فيما يخص حقوق الإنسان، حقوق المرأة مثلاً كانت في أوج ازدهارها في عهد مبارك، والمجتمع المدني كان أيضاً يعمل بشكل أكثر كثافة نظراً لفتح باب التمويلات الخارجية وقتها دون رقابة، والسماح لكثيرين بالعمل خارج إطار القانون، لكن كانت دولة مبارك تفعل كل ذلك فقط لاسترضاء الغرب والمداراة على ما يرتكب من فساد حكومي وإداري، وإعطاء إنطباع بأننا كنا دولة ديمقراطية رغم أننا كنا بعيدين كل البعد عن أبسط قواعد الممارسة الديمقراطية، وهذا ما أدى إلى الثورة التي أطاحت بهذا النظام. 

أما القيادة السياسية الحالية تحت زعامة الرئيس السيسي، فهي قيادة واعية غير فاسدة ومخلصة تماماً في حب هذا الوطن، دولة تعلمت من أخطاء الماضي، وأيقنت أن السبيل لتحقيق التغيير لن يأتي إلا من خلال احترام إرادة المواطن وتنميته، والحفاظ على ما أكتسبه من حقوق وحريات. وأعتقد هذا سر إيمان أغلب المواطنين المصريين بالرئيس السيسي وحبهم له، وصبرهم معه على الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي نمر بها. 


6. البعض اشتكى من تصاعد الحبس الاحتياطي..كيف ترين ذلك؟

هذه مشكلة كبيرة بالفعل، لكن بطء إجراءات التقاضي وزيادة عدد القضايا المنظورة أمام القضاء في الفترة الأخيرة هما السبب الرئيسي فيها، خصوصاً أن أغلب القضايا المنظورة حالياً خصوصاً المتعلقة بالإرهاب، كان من الأولى نظرها في محاكم خاصة، بما سيعجل بالحكم فيها، لكن طبعاً هذه مسألة في يد القضاء في النهاية. 


7. ماذا عن دور البرلمان وتعامله مع ملف حقوق الإنسان وهل اللجنة لها دور حقيقي؟

ملف حقوق الإنسان بشكل عام أصبح من الملفات التي تثير الخوف والريبة في النفوس للأسف الشديد، سواء في البرلمان أو حتى على مستوى المواطن العادي نظراً للأسباب التي شرحتها لك في سؤال سابق، لكن كنت أتمنى أن يأتي أداء لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أفضل مما رأيناه الفترة الماضية، فما كان يجب أن تغرق اللجنة في فتح ملفات لا تخصها مثل موضوع معاشات العسكريين، أو الدخول في خلافات غير مفهومة بين أعضائها واتهامات غريبة وجهت لبعض الأعضاء بسبب حضورهم مؤتمر بالخارج، حتى أن رئيس اللجنة نفسه اضطر لتقديم استقالته بسبب هذه الاتهامات. وبهذا إنشغلت اللجنة عن دورها الأساسي في تمرير القوانين الهامة مثل قانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية وقانون المجلس القومي لحقوق الإنسان، وغيرها من الأنشطة المهمة التي كان يجب أن تقوم بها اللجنة، ونتمنى أن يتم تدارك هذه الأخطاء في دور الانعقاد القادم إن شاء الله، فنحن ننتظر من هذه اللجنة تحديداً الكثير في ملف حقوق الإنسان.
  

8. كيف ترين استقالة السادات رئيس اللجنة في الوقت الحالي؟

أقدر ما أصاب السادات من خيبة أمل وإحباط بسبب ما تعرض له من اتهامات تنال من سمعته وأسمه، لكن كنت أتمنى أن يصمد ويحارب من أجل موقفه للنهاية، فالاستقالة ليست حل.


9. ما رأيك في أداء المجلس القومي لحقوق الإنسان؟

المجلس القومي لحقوق الإنسان هو أحد أهم عناصر نجاح مصر في مساعيها أمام المجتمع الدولي، وبيده إما أن يرفع اسم مصر أو يضرها أشد ضرر. وفي الحقيقة أنا غير راضية عن غالبية الأعضاء في التشكيل الحالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان، باستثناء أربعة فقط مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والووطنية. ولدي إنطباع أن بعضهم تم تعيينه في المجلس أيام حكومة الببلاوي من باب المجاملة وليس من باب الكفاءة. بعضهم لم يعمل في المجال الحقوقي ولا يوم واحد في حياته، وبعضهم الأخر يخلط بشكل فج بين انتمائه السياسي وعمله في المجلس، بل ويستغل ذلك للإضرار بمصالح الوطن. وفقاً للدستور، فإن التشكيل الحالي منتهي بالفعل، ويجب تغييره في أقرب وقت واستحضار ذوي الكفاءة والأهلية للقيام بدور حقيقي في هذا الملف الشائك، لكن يجب أن يصدر قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان أولاً، وهو الأمر الذي ما زالت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان متأخرة في تنفيذه.

Thursday, September 01, 2016

عن حب النفس في مجتمع يعتبر الحب ذنب



تندم على حاجة عملتها لأنك بتحبها، أحسن من إنك تندم على حاجة كان نفسك تعملها وعارف إنها هتسعدك وما عملتهاش. دي واحدة من الدروس ال علمتها لي الحياة، ما فيش أي مبرر يخلينا نضحي بسعادتنا علشان نرضي المجتمع المحيط، إلا إننا نكون بنكره نفسنا. 

إحنا اتخلقنا في مجتمعات متحجرة الفكر وضيقة الأفق، واتربينا على إن الناس طيب وشرير، والتصرفات إما غلط أو صح، وما فيش حاجة بينهم، ما فيش احتياجات إنسانية ممكن تكون خارج إطار الصح والغلط أصلاً ومش من حق المجتمع يحط لك قواعد بشأنها. واتربينا على إن حب النفس وإسعادها أسمه أنانية، والأنانية صفة تخليك في خانة الأشرار بتاعت المجتمع، وبالتالي بنقضي عمرنا كله بنحاول نحقق أعلى سكوور ممكن في خانة الطيبين علشان المجتمع يرضى عننا، ونوهم نفسنا كده إننا حقنا حاجة، حتى لو كان ده على حساب نفسنا. لغاية ما تيجي النهاية، نهاية عمرنا، ونكتشف إننا عشنا كل ال فات بنيجي على نفسنا واحتياجاتنا وسعادتنا علشان بس نفضل طيبين في نظر المجتمع. 

ولو يوم فكرت تتمرد على الوضع ده وتعمل حاجة بتحبها علشان نفسك والمجتمع غير راضي عنها، تلاقي نفسك غرقان في دوامة من الشعور بالذنب. مع إن المفروض الحاجة الوحيدة ال تخليك تحس بالذنب هي إنك تفشل في إسعاد نفسك. 

أنا شوفت ناس بتحس بالذنب لمجرد إنها أكلت أكلة بتحبها، ولم تسأل ليه كده ما حدش هيقولك علشان بحافظ على صحتي مثلاً لكن دايماً الرد بيكون علشان يفضل شكلي حلو في عين الناس! 

شوفت ستات بتحس بالذنب لما ينجحوا علشان جوزها مش ناجح زيها، وده كده هيخلي شكلهم الاجتماعي مش ظريف لأن مجتمعنا بيقول الست لازم تفضل أقل درجة من الراجل.  

شوفت ناس تيجي فرص الحب الحقيقي في طريقهم ويدوسوا عليه برجليهم، بدل ما يشكروا ربنا على نعمة كبيرة ملايين غيرهم بيتمنوا يعيشوها ولو يوم واحد في حياتهم، بس علشان المجتمع مش هيكون راضي عن سعادتهم بالحب ده، فبيفضّلوا التعاسة لأنها بتحسسهم إنهم ضحية، والإحساس إنك ضحية أسهل من  تحملك مسئولية إسعاد نفسك.

 لغاية إمتى هتفضل تكره نفسك وتيجي على سعادتك علشان تحافظ على قواعد عبثية وضعها من سبقونا إلى هذا المجتمع؟ مين قال إن القواعد دي هي الصح وإنك مطالب بالالتزام بيها من أساسه. 

على سرير الموت، مش هتقول لنفسك أنا كنت شاطر أوي علشان قدرت أقمع نفسي وما حبيتهاش، ما حدش هيجي يقولك شكراً لأنك جيت على نفسك وضحيت بسعادتك علشاني. الحاجة الوحيدة ال هاتندم عليها أشد الندم هي الفرص ال كان ممكن تدوق فيها طعم السعادة بجد وضيعتها علشان ترضي غيرك، وفقاً لقواعد ما كانش مطلوب منك تلتزم بيها أصلاً!



Thursday, August 18, 2016

ثلاث رسائل تحملها اعترافات أحمد المغير عن ميليشيات رابعة: أمل، وإبتزاز، وطلب تعاون



لم تكن اعترافات أحمد المغير مفاجأة لنا، نحن الذين شهدنا أحداث فض رابعة بأعيننا وراقبنا ووثقنا ما مارسه فيها الإخوان من عنف وكيف حملت ميليشياتهم السلاح في وجه قوات الشرطة التي كانت تؤدي واجبها في حفظ الأمن. لكن اعترافات شخص مثل أحمد المغير، لا يمكن أبداً أن تُأخذ إلا باهتمام شديد. 

أحمد المغيرهو واحد من قيادات الإخوان الشباب المعروفين، وكان الذراع الأيمن لخيرت الشاطر فيما يخص تدريب المليشيات وتوزيعها وتكليفها بالمهام، وكان أيضاً هو وعبد الرحمن عز من قاموا بالاعتداء على ومنع الوفد الحقوقي الذي ذهب لزيارة رابعة بعد ترديد أنباء نفاها زعماء الإخوان وقتها، بأن هناك أسلحة متنوعة تم تسريبها إلى داخل اعتصام رابعة. 

أي أن شهادة شخص مثل المغير تعتبر دليل إدانة قاطع للمعتصمين في رابعة، ودليل براءة لقوات الشرطة التي أتهموها كذباً أمام الرأي العام العالمي بأنها بالغت في استخدام القوة وارتكبت مذبحة في حق مدنين مسالمين وعزل. والأهم من ذلك أن اعترافات المغير تقضي تماماً على مصداقية زعماء الجماعة الهاربين خارج مصر، فقد كانت حجتهم للبقاء في دول أوروبية أو حتى أمريكا طوال الفترة الماضية هي الترويج لأكذوبة أنهم معارضين سياسيين ديمقراطين لم يمارسوا العنف أبداً ولم يحرضوا عليه. 

ما الذي دفع أحمد المغير أن يدلي بهذه الاعترافات الخطيرة عن تسليح رابعة وتفاصيل تكوين وتوزيع الميليشيات داخل الاعتصام؟ ولماذا الآن؟ بالبحث في تاريخ الجماعة ونماذجها السلوكية، أستطيع الجزم بأن اعترافات المغير لم تكن صحوة ضمير، ولكن لها أبعاد استراتيجية يرجوها هو وجيله من شباب الجماعة، ويمكن تلخيص هذه الأبعاد في ثلاث رسائل تحديداً موجهة لأطراف بعينها حملتها هذه الاعترافات، على النحو التالي: 

1. رسالة أمل إلى القواعد المُحبَطة في جماعة الإخوان ومؤيديها، 
مفادها أن جيل الشباب الحالي في الجماعة لديه القدرة والقوة على حمل الأمانة وحفظ تاريخ الجماعة مثل سابقيه، وأن اتهام البعض داخل الجماعة لهذا الجيل بأنه ضعيف أو أنه تخلى عن قياداته أمر غير صحيح، وأن سبب فشل الإخوان في أعقاب فض رابعة والذي ترتب عليه إنهيار الجماعة بالكامل، إما بسبب هرب بعض القيادات أو حبس بعضها، وتدمير المليشيات وإنهاكها، لم يكن خطأهم هم كشباب قيادين داخل الجماعة، ولكن بسبب خيانة ما حدثت بين الصفوف – على حسب وصف المغير.

2. رسالة إبتزاز إلى قيادات الجماعة الذين تخلوا عن شبابها، 
حيث أن شباب الإخوان – ومنهم المغير – كانوا ينتظرون من قيادات الإخوان الهاربين أن يأخذوهم في ركابهم أو يأمنوا حياتهم ومستقبلهم، أو حتى يستمروا في الصرف عليهم وإرسال الأموال من أجل التسليح والتنظيم والاستمرار في تغذية المليشيات، لكن الخلافات الداخلية على الزعامة التي أغرق فيها زعماء الجماعة الهاربين أنفسهم، وفشلهم في اتخاذ أي قرارات مؤثرة الفترة الماضية، وتجاهلهم الطويل لشباب الجماعة وقواعدها، قد أدى إلى زيادة حدة الإحباط في نفوس هؤلاء الشباب والقواعد، وخصوصاً بعد أن تم حبس أغلب القيادات الوسطى التي كانت تتولى مهمة الصرف والتنظيم بالنيابة عن القيادات الهاربة. فلعل المغير، أراد باعترافه هذا أن يقض مضاجع القيادات الهاربة، ويذكرهم بأن شباب الجماعة ما زالوا عنصر مهم في المعادلة، وأنهم أحق وأولى باهتمام هؤلاء القيادات، فبيدهم أن يحافظوا على الجماعة وحياة قياداتها واستقرارهم في نعيم دول الغرب، أو يدمروا كل شيء بمجرد كتابة بوست على الفيسبوك.  

3. رسالة عرض تعاون إلى الجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة، 
خصوصاً تلك التي تسعى بلا هوادة لاستهداف مصر وتدميرها على غرار ما حدث في سوريا وليبيا واليمن، ولم يمنعهم عن تحقيق هدفهم حتى الآن سوى حقيقة أن عملياتهم الإرهابية قد انحصرت في سيناء فقط بما لا يؤثر على مسيرة التطور الديمقراطي والتنمية الاقتصادية في مصر، بمعنى أن فشل هذه التنظيمات الإرهابية في تدمير مصر حتى الآن سببه الأكبر هو عدم قدرتها على الوصول إلى القاهرة ومحافظات وادي النيل، حيث توجد تفاصيل الحياة الحقيقية للمصريين. والحقائق تقول أن الإخوان المسلمين هي الجماعة الإرهابية الوحيدة التي لديها القدرة على الوصول للعاصمة والمحافظات المركزية، والقيام بأعمال إرهابية داخلها، وبهذا يكون ما قدمه المغير من استعراض لقوات وقدرات ميليشيات الإخوان في مواجهة قوات الشرطة المصرية، كان بمثابة طرق أبواب لعرض التعاون على التنظيمات الإرهابية الصديقة في المنطقة، علها تستجيب وتبدأ في مدهم بالأموال والأسلحة ليستكملوا مخططهم التخريبي الذي تجمد تماماً منذ ما يقرب من عام ونصف.

ستثبت لنا الأيام مدى صحة هذه الفرضيات، إلى حينها فلنراقب ما سوف يحدث بحذر.