Wednesday, May 09, 2012

لماذا ستنقلب الآية على الإسلام السياسي في مصر؟




فى حين يتم سفك دماء المصريين الأبرياء أمام مبنى وزارة الدفاع بالعباسية، تستعد مصر لإستقبال أول رئيس مدنى منتخب. فقد فقدت مصر إحدى عشر قتيلاً ومئات الجرحى، في اشتباكات دامية بين بلطجية ومتظاهرين، أغلبهم من أنصار المرشح السلفى المستبعد حازم صلاح ابو إسماعيل، أثناء اعتصامهم أمام وزارة الدفاع بالعباسية احتجاجاً على استبعاد أبو اسماعيل وعدم الرضاء العام عن سياسة المجلس الأعلى في إدارة البلاد خلال المرحلة الإنتقالية. ولقد تم استبعاد الشيخ المحامي حازم صلاح أبوإسماعيل من السباق الرئاسي قبل بضعة أسابيع، بعد أن كشفت المحكمة الخاصة باللجنة العليا للأنتخابات الرئاسية أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، وأنه كذب بهذا الشأن وزور أوراقاً تفيد بعكس ذلك. ورغم تقديم المحكمة الأدلة القاطعه على كذب المرشح أبو إسماعيل وتزويره، إلا أن أتباعه من السلفيين والمعروفين بتعصبهم لشيوخهم، مازالوا يصرون على دعمهم له في مليونيات بالتحرير والعباسية تحت شعار حملته الأنتخابية "لازم حازم"، ومازلت لا أعرف ولا أفهم – شخصياً – لماذا "لازم" ولماذا "حازم" رغم ثبوت كذبه وتزويره! 

بوجه عام جاء أداء الإسلاميين، ممثلين فى الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين يستحوذون جالياً على غالبية مقاعد برلمان الثورة بغرفتيه، مخيباً للآمال للغاية، مما أثار ندم كثيرين ممن صوتوا لهم في الخريف الماضي. وقد ترتب على فشل الإسلاميين فى تشكيل الجمعية التأسيسية، المنوطه بصياغة الدستور القادم، ووقوع أحداث مؤسفة متعلقه ببعض البرلمانيين، كالنائب المشهور بفضيحة آنفه، إلى فقد الكثيرين الثقه فى الإسلاميين بشكل عام، وجاء ذلك فى لافتات أنتشرت فى كافة أرجاء القاهرة تحمل عنوان "أين المبادئ" تم فيها سرد كل كذبات والتفافات الإخوان المسلمين على وعودهم، ووصفتهم اللفتة ب "إخوان ميكافيللي" فى إشارة إلى انتهاجهم مبدأ ميكيافيلي الشهير "الغاية تبررالوسيلة." 

ولعله من الطريف إن الإسلاميين يعلمون جيداً بانخفاض شرعيتهم وشعبيتهم لدى عموم المصريين بعد كل تلك الإحباطات. وذلك ما سوف ينعكس قريباً في ضعف إقبال المواطنيين، خصوصاً ممن سبق وصوتوا لهم فى الانتخابات البرلمانية الماضية، على أى من مرشحيهم للرئاسة.

وهنا يجدر طرح سؤال هام وهو: لماذا صوّت المواطنون للإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ وهل سيقوموا بالتصويت لصالح أحد المرشحين الإسلاميين في انتخابات الرئاسة؟ لقد طرحت هذا السؤال على قطاع عريض من المصريين في دوائري الممتدة، ومنهم: زملائى فى العمل، أصدقائى، حارسي العقارات التي أتردد عليها، العمال، سائقي التاكسي، وحتى والدتى التى قالت لى انها صوتت للإسلاميين لكنها الآن نادمة على إختيارها هذا وأنها لن تصوت لهم في المستقبل سواء في انتخابات الرئاسة أو البرلمان. 

وكانت النتائج التي توصلت إليها من استطلاعي غير الرسمي هي كالأتى:

يعتقد كثير من المصريين أن "سياسة الطعام واستغلال الحاجة" وراء نجاح الإخوان المسلمين فى الإنتخابات البرلمانية الأخيرة. حيث استطاع الإسلاميين بوجه عام والإخوان بشكل خاص التأثيرعلى توجهات الناخبين بإمدادهم بعديد من الخدمات الأساسية التى عجزت الحكومة عن تقديمها، حيث أقاموا عيادات بالمجان، كما أقاموا منافذ لبيع الأطعمة بأسعار رخيصة فى متناول الكافة من المواطنيين، ولهذا يرى كثيرون أن من سيدعمون المرشحين الإسلاميين للرئاسة سيكونون من الفقراء والريف، إذا ما تمكنوا من القيام بتلك الخدمات الخيرية.

بينما رأى آخرون أن الدورالذى قامت به المساجد لما لها من تأثير دينى ساهم في ذلك النجاح الذى حققه الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية، ففى مصرمن يتحدث باسم الدين يكون فى موضع قوة ويتمكن من التأثير على الناخبين وتوجيه أصواتهم إلى مرشح بعينه تحت عنوان الحلال والحرام والطريق إلى الجنة، ويعد المثال الأوضح على ذلك الإستفتاء الدستورى الذى تم إجراؤه فى 19 مارس الماضى، حيث جاء قرار أغلب الناخبين بناءاً على توجيهات قادة رجال الدين لديهم سواء الدين الإسلامى أو المسيحى، حيث كان لدور لعبادة دور كبير فى ذلك الإستفتاء. وفي الانتخابات البرلمانية عزز السلفيون برنامجهم الإنتخابي بادعاء أنه للبسطاء هو "الطريق إلى الجنة." 

لكن بالرغم من التأثير الذى لعبته المساجد فى عملية التصويت فى الانتخابات البرلمانية الماضية، يصعب توقع تكرار ذلك الآن. حيث أصبح الناخبين على علم عن تجربة أن رجال الدين الذين وجهوهم المرة الماضية خانوا ثقة الناس فيهم، أو بتعبير أفضل أسأوا تقدير الأمور، ليس مرة واحدة بل مرتين متتاليتين، الأولى فى استفتاء مارس 2011 والثانية فى الانتخابات البرلمانية، كما أن عوام الناس قد استنتجوا من خلال التجربة العملية أن الإسلاميين ليسوا وحدهم هم المفوضين من الله لحكم مصر، فضلاً عن التطرف والتعصب الذى ظهر بشدة، لمؤيدي الإسلاميين، فى مواقف عدة، فضلاً عن الأداء البرلمانى البشع للإسلاميين فبدلاً من إهتمامهم بالقضايا الحيوية الهامة التى تعمل على تطور وتقدم الحياة فى مصر قاموا بطرح قضايا أخرى أبعد ما تكون عن إهتمام الشارع المصرى، كالحديث عن حجب المواقع الإباحية، تقنين ختان الإناث، منع تدريس اللغة الإنجليزية فى المرحلة الإبتدائية وكلها أمور لا تهم المصري البسيط الذي يصارع من أجل توفير أبسط متطلبات الحياة لأسرته، وانتخب الإسلاميين ليعينوه على ذلك لا ليخنقوه أكثر. 

كما أن سبب آخر وراء نجاح الإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية يكمن فى إعتقاد كثير من المصريين، ومنهم والدتى، بأن من يؤمن بالقيم والتعاليم الدينية ويمارس الطقوس الدينية وملتزم بها، من الصعب أن يكذب أو يغش أو يخون ثقة الجماهير التى أعطوه إياها، وللأسف هذا ما حدث فقد خان هؤلاء النواب تلك الثقة وليس أدل على هذا من الأداء البرلمانى الهش لهؤلاء الإسلاميين، وسرعان ما أكتشف المواطنون أن الإسلاميين يفتقرون إلى الامانة والصدق التي توسموها فيهم  وانتخبوهم من أجلها. بل هم مثل أقرانهم من السياسين الغير إسلاميين يكذبون ويغشون ويخدعون ويمارسون كافة قواعد اللعبة السياسية المدنسة، والأمثلة على ذلك الغش والكذب ومنها على سبيل التذكرة: القصة الشهيرة للنائب السلفى أنور البلكيمى الذى أدعى أنه تعرض إلى إعتداء ليبرر الضمادات الموجودة على أنفه وهو فى الحقيقة أجرى عملية تجميلية بأنفه، ويعد المثال الأكثر حديثاً فى الشارع المصرى هذه الأيام المرشح المستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل والذى أخفى على اللجنة العليا الخاصة بالانتخابات الرئاسية أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، أيضاً التبرعات التى جمعها الشيخ محمد حسان بدعوى قهر أمريكا، والتى تجاوزت ملايين الجنيهات بعد الترويج إلى عدم حاجة مصر إلى المعونة الأمريكية-بعد أزمة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى- ثم لم ندرى حتى الآن إلى أين ذهبت تلك الأموال التى جمعها فضيلة الشيخ. وأهم من هذا وتلك، هو مداهنتهم للمجلس العسكري في مواقف كان يموت فيها خيرة شباب الثورة مثل موقعة شارع محمد محمود الشهيرة، وذلك طمعا في مناصب سياسية وهمية وواهية. وبعد أن غفلهم المجلس العسكري وأخذ منهم "غرضه" ثم نبذهم، يريدون الآن أن استغلال حماسة الثوار وحب البسطاء للدين، وأرواح الأبرياء لتصفية حسابهم بمبدأ "عليّ وعلى أعدائي."  

وبشكل عام فذلك القصور الأخلاقى الذى استعرضنا بعض منه يضعف بشكل كبير من فرصة المرشحين الإسلاميين فى الانتخابات الرئاسية أو أى انتخابات أخرى فى المستقبل. بمعنى أنه ستأخذ مصداقيتهم ونسب تصويت المواطنين لهم في التقلص بنسب كبيرة مرة بعد الأخرى، على مدار الأعوام القليلة القادمة. سيستغرق الأمر بضعة سنوات حتى يتكون لدى المصريين الوعى السياسى اللازم للتصويت بناءاً على تحقيق المصلحة، وليس بناءاً على احتياجاتهم المادية والخدمية، أو المشاعر الدينية. لكن بالفعل، يبدو جلياً للجميع الآن أن الأية ستنقلب على الإسلام في مصر قريباً جداً.