Sunday, December 17, 2006

حكاية تعرفي على أحمد فؤاد نجم

لا أجد سببا واضحا يدعوني لتذكر هذا التاريخ (15 مايو 2006) و هذا المقال تحديدا , و الذي هو عبارة عن حوار أجرته مجلة نيويورك تايمز مع الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم , و كان لي الحظ في أختياري بالصدفة البحته لترجمته من اللغة الأنجليزية إلى اللغة العربية, حيث أتصل الصحفي محمد طعيمه و الذي كان مسئول عن إدارة موقع حركة كفاية وقتها بسالي سامي و طلب منها أن تدله على شخص لترجمة الحوار حتى يستطيع نشره باللغة العربية على موقع الحركة, و لحسن حظي أو لقدر لا يعلمه إلا الله تم أختياري, فترجمته و تناقلته المواقع و الصحف أيضا و نشر أسمي عليه, و ذهبت لأحصل على مكافأة الترجمة من الأستاذ محمد طعيمه و أتفقنا على الألتقاء في دار ميريت, و بالصدفة البحته كان أبو النجوم هناك, فبادرت فورا بتحيته و عرفته بنفسي و قلت له أني أنا التي ترجمت الحوار الخاص به مع نيويورك تايمز فابتسم و قال "أنتي اللي فضحتين؟ و الله لو اتسجنت هاخدك معايا" و استمر بيننا حوارا طيبا لم يدم إلا دقائق ثم أنصرفت, لكنها لم تكن المرة الأخيرة التي أقابله فيها, و في النهاية أنا سعيدة جدا أن وفرت لي الحياة فرصة مقابلة الشخص الذي أثر في وجداني و شكل منهاج حبي لأم الدنيا مصر, أطال الله لنا في عمرك يا أبو النجوم


و الآن ... أهدي لقراء مدونتي الأعزاء جدا نص الحوار الذي قمت بترجمته كما نشر في 16 مايو 2006 بعد أن قمت بترجمته


(نجم) لنيويورك تايمز: مصر تحكمها عصابة يتزعمها مبارك
ترجمة: داليا زيادة

أكد انه مستمر في حكمه لأن أمريكا وإسرائيل تدعمانه:
(نجم) لنيويورك تايمز: مصر تحكمها عصابة يتزعمها مبارك

"ده حبيبي" قالها أحمد فؤاد نجم و هو يقبل الرأس المحنط لسلحفاة ميتة بلطف, ثم ربت على قوقعتها ووضعها برفق جانبا.
كان نجم على سطح البناية التي تحوي شقته عاليا بعيدا عن حي المقطم الغارق في الفوضى والقاذورات, حيث تخلص من الرسميات وقدم نفسه كرجل يحب سلحفاة


"المجد للناس المجانين / في العالم الغبي" هي كلمات مكتوبة بعناية باللون الأصفر على الحائط بجوار السلحفاة مباشرة, وهي من كلماته – كلمات الشاعر الذي كان دائم الإنتقاد الحاد للسلطة والذي قضى 18 سنة من عمره البالغ 76 سنة في السجن بسبب رفض رؤساء مصر لكتاباته


كان اللقاء مع نجم عبارة عن حفاوة بالغة وقبلة وتعليق وقليل من الشعر, وأحمد فؤاد نجم هو أحد الشعراء المصريين الأكثر شهرة ويقارب عمره الأربعة عقود, ويشار إليه على أنه أول من يكتب باللغة العامية المصرية, وأعتاد نجم منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى جمال مبارك (ابن الرئيس الحالي حسني مبارك) على وغز كل من يشعر بأنهم السبب في الوصول بالدولة - التي كانت عظيمة يوما ما - إلى ورطة الفقر واللامبالاة التي يتجلى عرض مظاهرها في الساحة النتنة تحت سطحه


و قد كتب نجم قصيدة "مبروك يا عريسنا" ذائعة الرواج عن خطبة جمال مبارك مؤخرا من فتاة أصغر منه بحوالي 20 سنة "يا أبو شنة ورنة/ يا واخدنا وراثة/ أطلب وأتمنى / وأخرج من جنة / أدخل على جنة / مش فارقة معانا..."ء


يعد نجم أشبه ببطل شعبي في مصر, وبقي محافظا على شهرته حتى بعدما تحول الشارع – شارعه – بعيدا عن رؤيته العلمانية الشاملة للحداثة, كما أن التغيرات التي طرأت على الشارع زادت من احتقاره للنخبة الحاكمة, فقد قال أن حكومتهم الغير شرعية جعلت من الصعب تمييز الهوية المصرية وأخذت تعرفها أكثر في إطار الدين.قال نجم مسترجعا واحدة من موضوعاته المفضلة: "يدير الحكومة دائما فراعنة, ولكن في الماضي كان الفراعنة شرفاء" وأضاف "الآن مصر يحكمها عصابة, يتزعمها حسني مبارك, وهو مستمر في حكمه لأن أمريكا وإسرائيل تدعمانه, ولكنه لا يحظى بتأييد الشارع"ء


ربما عدم احترامه للسلطة وتسخير صوته للرغبة في العدل هو ما يحافظ على شعبيته و يزيد من مبيعات كتبه وهو الذي أدى مؤخرا أيضا إلى استلهام مسرحية بعنوان "الملك هو الملك" تقوم على سرد قصائده


ضحك نجم و دخن سيجارته الميريت الخفيفة وهو يصعد السلم الخشبي المتهالك عبر فتحة ضيقة في سقف شقته الواقعة في بلوك سكني عام, فهو يحب التدخين, ويحب إطلاق اللعنات, ويحب أن يتباهى مع غمزة وضحكة أنه تزوج ست مرات وأن زوجته الحالية في الثلاثين من عمرها وأن زينب ابنته الصغرى التي تبلغ من العمر 11 سنة ليست مضطرة للخضوع للممارسات الدينية التي شاع انتشارها في بلاده في السنوات الأخيرة


يقول نجم "أنا حر" وهو يهرش في رأسه بأظافره الطويلة المقلمة بعناية "أنا لا أخاف من أحد لأني لا أريد شيء من أحد" ثم نظر من مكانه فوق السطح إلى الأسفل على كومة من القمامة المتعفنة, حيث يتبارى الأطفال والحمير على كسب فتات الطعام, وأخذ يرثي ما آل إليه الحال في مصر

قال: "هذه ليست مصر" وأضاف "أنا أبكي وأندب مصر"ء


ثم عاد إلى طيشه.وصاح مناديا عبر الستة طوابق "قهوة" وطلب بصوته الخشن بسبب إفراطه في التدخين "هاتوا شاي عند عم أحمد"


هكذا يسميه الناس "عم أحمد"لم يتلق نجم تعليما رسميا, وللحقيقة عندما كان شابا في القاهرة حبس أكثر من مرة بتهمتي السرقة والتزوير, ولكن هناك وراء قضبان السجن أكتشف ذلك الرجل النحيف ذو الوجه الطويل والأنف الكبير أن له صوتا.
في سنة 1959 نشر مجموعته الشعرية "صور من الحياة والسجن" والتي كتبها وهو مسجون بتهمة السرقة, وبعد ذلك بسنوات قليلة, بعد خروجه من السجن, كون ثنائي مع المطرب الشعبي الكفيف إمام عيسى وقاما معا بعمل أدوار هزلية ساخرة لاقت إقبالا شعبيا ضخما وعداوة من رئيس الدولة."دولة مصر غارقة في الأكاذيب" كتبها نجم بعد هزيمة العرب على أيدي إسرائيل سنة 1967


"الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا يا محلا رجعة ضباطنا من خط النار يا أهل مصر المحمية بالحرامية الفول كتير والطعمية والبر عمار ح تقول لي "سينا".. وما "سيناشي". ما تدوشناشيما ستميت أتوبيس ماشي شاحنين أنفار إيه يعني شعب في ليل ذله ضايع كله دا كفاية بس أما تقوله إحنا الثوار!"ء


حاولت مصر تحقيق القومية العربية في عهد عبد الناصر, وحاولت التوصل لسلام مع إسرائيل في عهد السادات, وقد حبس كل من الرجلين أحمد فؤاد نجم بسبب استهزائه بحكومة كل منهما, أما الرئيس مبارك الذي تجنب التحركات الجريئة لأسلافه فلم يحبس نجم بعد, ولكن لم يمنع ذلك ازدراء نجم له

وعندما وصل إلى أسماعنا صوت حمار ينهق في الحي, قال نجم بملامح جامدة "مبارك يلقي خطبة"ء

قليلون جدا في (مصر- مبارك) هم الذين يستطيعون التكلم بهذه الطريقة, خصوصا مع صحفي أجنبي, لكن نجم يسعد بأن يكون ثرثار , ساخرا وغير ملتزم سياسيا لدرجة خطيرة


قال نجم عن رؤساء الدول العربية "هم ليسوا حكاما, هم كلاب" وأضاف "أنا أتحدى كل ملوكنا وزعمائنا أن يسيروا في الشارع دون حراسهم لمدة خمس دقائق"ء
بعد ذلك بلحظات, أنتفض نجم على كرسيه البلاستيكي عندما على صوت الأذان للصلاة عبر الأربعة سماعات المعلقة على سطح قريب, ... بابتسامة وضحكات, فهناك دائما حشو صادم أو كلمة لاذعة توحي بالضحك, وهو قبل كل شيء, عم أحمد, في ملابسه الفقيرة الذي يعيش في شقة صغيرة ومزدحمة تقع في حي صغير ومزدحم
هل تود التعرف على الطريق إلى منزله؟. فقط توقف لسؤال الناس في السوق, وسوف يدلك أي منهم, فالجميع يعرفه؛ هناك بعد السيدة التي تستخدم خرقة لتهش بها على الجبن لطرد الذباب, و بعد الطفل الذي يشوي السمك لبيعه, ثالث بلوك, الطابق الخامس, الشقة جهة اليسار.حدد موعد, وربما يلتزم هو به, وربما لا

قال نجم ردا على سؤال عما إذا كانت مصر مازالت تحافظ على دورها كمركز الثقافة والفكر العربي, وإن لم يكن الأمر كذلك فما السبب: "مصر شمعه غمرها النهر", وعندما يسود الظلام الأرض, ستخرج مصر من النهر لتنير العالم"ء
ولكنه يبدو يأسا من أن الضوء الذي يسميه مصر هو - حاليا على الأقل – لا يشع إشراقا, وقال: "الناس تحت هنا ليسوا مصريين, هم شعب مضطهد"ء

نيويورك تايمز